
مقال -د. محمود فاروق عبدالحليم
في القطاع العقاري وشركات التطوير العقاري، نادرًا ما يعود العميل ليشتري مرة أخرى، لكن ذلك لا يقلل من أثره، بل يمنحه قوة مختلفة وأكثر تأثيرًا، وهي قوة التوصية. فالتوصية في هذا القطاع لا تُصنع بإعلان جذاب أو عرض مؤقت، بل تتشكل من تجربة متكاملة عاشها العميل في واحد من أكثر قرارات حياته تعقيدًا. ولهذا، فإن كل تجربة تمر دون شعور حقيقي بالاطمئنان تمثل خسارة غير مرئية، حتى وإن انتهت بتوقيع عقد وتمام الصفقة.
العقارات ليست كالتجزئة:
العقار يختلف جوهريًا عن أي منتج آخر، لأنه لا يُشترى للاستخدام المؤقت، بل ليكون مسكنًا وأمانًا واستقرارًا طويل الأمد. العميل لا يشتري جدرانًا أو تشطيبات فحسب، بل يشتري راحة باله ومستقبل أسرته، وغالبًا ما يكون هذا القرار نتاج سنوات من الادخار أو التزامًا ماليًا طويل الأجل مع جهة تمويل. لذلك، يُعد شراء العقار من أصعب قرارات الشراء التي يتخذها الإنسان، لما يحمله من أبعاد مالية ونفسية واجتماعية متداخلة لا يمكن فصلها عن بعضها.
التوقعات قبل التعامل الأول:
قبل أن يزور العميل معرض المبيعات أو يتواصل مع المطور، يكون قد كوّن في ذهنه صورة متكاملة عمّا ينتظره. هذه الصورة لا تتعلق بالموقع أو المساحة فقط، بل تشمل أسلوب التعامل، ووضوح المعلومات، والالتزام بالوعود، وما سيحدث بعد التوقيع. هذه التوقعات الصامتة لا تُكتب في العقود، لكنها تشكل المعيار الحقيقي الذي يقيس به العميل تجربته كاملة. وكلما اتسعت الفجوة بين ما يتوقعه وما يعيشه فعليًا، نقص شعوره بالثقة تدريجيًا، حتى وإن كان العقار في حد ذاته مقبولًا أو جيدًا.
من هنا، تظهر تجربة العميل في التطوير العقاري بوصفها منظومة متكاملة لإدارة التوقعات وبناء الثقة، لا مجرد أداة تسويقية. فالتجربة تبدأ من لحظة التفكير الأولى، من أول مكالمة أو زيارة، وتمتد عبر طريقة عرض المشروع، وشفافية التفاصيل، وسهولة الإجراءات، وصولًا إلى ما بعد البيع وتسليم الوحدة. وفي كل مرحلة من هذه الرحلة، تتشكل لدى العميل مشاعر إما أن تقرّبه من القرار بثقة، أو تدفعه للتراجع بصمت دون أن يصرّح بأسباب واضحة مما قد يدفعه إلى البحث عن بدائل أخرى إذا لم يتم تلبية توقعاته.
الاستعداد لدفع تكلفة اعلى:
وتشير الدراسات العالمية إلى أن تجربة العميل أصبحت عاملًا حاسمًا في قرارات الشراء، حيث باتت شريحة واسعة من العملاء ترى أن جودة التجربة لا تقل أهمية عن جودة العقار نفسه، بل تتفوق عليها في كثير من الأحيان. كما تؤكد هذه الدراسات أن العملاء مستعدون لدفع تكلفة أعلى عندما يشعرون بالثقة والراحة والوضوح. وفي القطاع العقاري، تتضاعف أهمية هذه الحقيقة، لأن العميل لا يبحث عن الخيار الأرخص بقدر ما يبحث عن شريك يلتزم معه على المدى الطويل.
الخلاصة:
يمكن بناء المنزل بالإسمنت والحديد، لكن تجربة العميل تُبنى بالثقة والصدق والانتباه للتفاصيل الصغيرة. وفي سوق عقاري يتسع وينضج بسرعة، لن يكون التميز حليف من يملك العقار بالجودة والموقع فقط، بل من يفهم توقعات العميل ويدير رحلته بوعي واحترام. فالتجربة الجيدة لا تُغلق صفقة فحسب، بل تبني سمعة، وتصنع توصية، وتؤسس لعلاقة تمتد آثارها لسنوات طويلة.







































